ما هي أهداف “المسيرة الخضراء” داخليا وخارجيا؟

ما هي أهداف “المسيرة الخضراء” داخليا وخارجيا؟
0

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

عبد الرحيم العلام

بما أن الحيّز لا يسعف كثيرا من أجل العودة إلى كل تفاصيل سياقات المسيرة الخضراء، فإن الاكتفاء بالخطوط العريضة، قد يساعد على فهم بعض الظروف التي جاءت فيها المسيرة الخضراء التي دعا إليها الحسن الثاني يوم 6 نونبر 1975، كما أن العودة إلى ما قبل الحدث يفيد في التعرف على الظروف التي ربما جاءت المسيرة لتجاوزها.
فما هو السياق الدولي لحدث 6 نونبر؟ كيف استطاع الراحل الحسن الثاني خلق ما يشبه الاجماع على الملكية بعد موجة الانقلابات والاضطرابات؟ وهل حصلت بعض الأخطاء التي قلّلت من قوة الحدث؟
على المستوى الدولي يُسجّل أن إسبانيا التي احتلت الصحراء لأكثر من 91 سنة (دخلت اسبانيا مدينة الداخلة سنة 1984)، كانت في وضع ضعيف فيما يخص البيت الداخلي، فالديكتاتور فرانكو الذي أنهك البلاد بحروبه الداخلية، كان في آخر لحظات حياته (توفي في نفس السنة أي 1975م)، الأمر الذي جعل إسبانيا غير قادرة على البقاء في الصحراء، مفضّلة الانسحاب، وهذا ما تم الاعلان عنه بالفعل. لكن الاسبان لم يرغبوا في أن تدبّر أمور الصحراء من بعدهم من دون رقابتهم، لذلك أعلنوا عن مؤتمر مدريد (شتنبر 1975) الذي حضرته موريطانيا إلى جانب المغرب، وكان الهدف هو التفاوض مع البلدين للتقرير في مصير الصحراء.
أما على المستوى المغربي، فإن النظام السياسي المغربي كان يعاني من مشاكل داخلية لا حصر لها، فقضية المهدي بن بركة لا زالت تلقي بظلالها، والانقلابات العسكرية لا زال شبحها جاثما على ذهن الملك. وفي ظل كل ذلك، لازالت الأحزاب القوية مناوئة للنظام (الإعلان عن تشكل الكتلة قبل سنتين من موعد المسيرة الخضراء)، إضافة إلى مشكلات اقتصادية لا حصر لها. وهو ما جعل فرضية أن تكون نفس الأسباب التي جعلت الإسبان يفكرون في مغادرة الصحراء هي نفسها التي تحكمت في قرارات الحسن الثاني؛ ففرانكو استدعى الشاب “خوان كارلوس” حفيد الملك ألفونسو من منفاه الإجباري، من أجل تسليمه الحكم بعد رحيله، والحسن الثاني هدف إلى ضرب عدة عصافير بحجر واحد، استباق نتائج مؤتمر مدريد لكي يفرض الأمر الواقع على الاسبان، ويستولي على المناطق التي ستخرج منها جيوشهم، وقطع الطريق على الموريطانيين، وكذلك على “حركات المقاومة” التي بدأت تتشكّل أنويتها بعيدا عن رقابة السلطة المغربية، سيما بعد الخطأ الكبير الذي أقدم عليه المغرب عندما حل جيش التحرير وألحق أعضاءه بالجيش النظامي قبل تحرير كل الأقاليم.
كما هدف الراحل الحسن الثاني من خلال المسيرة الخضراء إلى تحقيق إجماع وطني حول الملكية التي كانت بدأت تتهاوى أمام ضربات الانقلابات العسكرية، وعمليات الأجنحة الراديكالية للأحزاب الوطنية. وهو بالفعل ما تحقق حيث طلّق الاتحاد الوطني للقوات الشعبية نهج الاختيار الثوري وأسس “الاتحاد الاشتراكي” ودخل في صراعات داخلية من أجل الحسم مع تياراته المناوئة لنظام الحسن الثاني.
لكن المغرب لم يتمكن من توظيف الحدث لصالحه بالشكل المفروض، وإنما تعددّت الأخطاء التي ارتكبت في هذا السياق، بدءا بقبول اقتسام الأرض مع الحكم الموريطاني الذي كان يخشي أن يساهم ضم المغرب للصحراء في أن يطمح لاسترجاع موريتانيا أيضا. لقد كان لهذا القبول تداعيات كثيرة حيث تم تقسيم الأراضي التي خرجت منها اسبانيا بين المغرب (إقليم الساقية الحمراء)، بين موريطانيا ( إقليم وادي الذهب)، وهو ما شكل نقطة سوداء في سجل قول المغرب بأن له روابط ووشائج تاريخية مع أهل الصحراء، إذ كيف يمكنه أن يقتسم أرضا هي من صميم سيادته مع دولة أجنبية أخرى؟ مروا بقضية الاستفتاء على الصحراء الذي قبل به الحسن الثاني ورفضته المعارضة السياسية بزعامة الاتحادي عبد الرحيم بوعبيد، الذي تم سجنه ونفيه إلى “ميسور” بعد إصراره على موقفه الرافض لمقترح منظمة الوحدة الافريقية المنعقدة بنيروبي سنة 1981.
ورغم أن المغرب سيتمكن سنة 1979 من استعادة إقليم وادي الذهب، الذي تنازلت عنه موريتانيا بعد موجة معارك قادتها مع جبهة البوليساريو بقيادة “المصطفى السيد”، فإن هذا الاسترجاع أورث المغرب الكثير من المشاكل، فموريطانيا كانت ثاني المعترفين بعد الجزائر بما يسمى “الجمهورية الصحراوية الشعبية الديمقراطية” فور إعلانها من طرف جبهة البوليساريو، وتتالت موجة الاعترافات.
ومن الأخطاء التي ارتكبها المغرب بعد المسيرة الخضراء، أنه تعامل مع سكان الأراضي المسترجعة مثل تعامل أي دولة خارجية مع شعوب تريد كسب ودّها بأي وسيلة، حيث تم تقريب سكان الصحراء، وتم منحهم امتيازات متعددة مقارنة مع سكان المناطق الداخلية. ممّا ساهم في تكريس وضع مُميّز للصحراء، ساهم في خلق شعور نازع نحو وضع مغاير داخل صفوف العديد من الشباب سواء منهم من التحق بجبهة البوليساريو بتندوف أو من فضّل البقاء في المغرب من أجل تشكيل ما أصبح يعرف بـ “بوليساريو الداخل”، مستغلين في ذلك العديد من سلبيات سياسات السياسية المغربية من قبيل الوضع المميز الذي يحظى بها شباب الصحراء، بالموازاة مع التضييق على الحريات السياسية، إضافة إلى العديد من الممارسات القمعية التي تم نهجها ضد كل الحركات التي رفعت شعارات معيشية أو شعارات سياسية.
باختصار يمكن القول، بأن المسيرة الخضراء كانت مناسبة سياسية خلقت جوا إعلاميا في صالح نظام الحسن الثاني أكثر مما كانت محطة استقلالية بموجبها تم تحرير الثغور، فإسبانيا كانت ستخرج من الصحراء سواء بوجود المسيرة الخضراء أو بدونها، وهذا ما تجلى في مؤتمر مدريد الذي دعت إليه اسبانيا بشهر قبل 6 نونبر 1975، أما عن الجِدّة الذي خلّفها حدث المسيرة فتمثل في خلق أمر واقع ضدا على ما كانت اسبانيا تسعى إليه بعد مغادرتها الأراضي الصحراوية.
*باحث في القانون الدستوري وعلم السياسة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.