بدأت منذ شهور قليلة حملات الأكاذيب والوعود والنفاق والمداهنة وتشييد الأوهام وخداع الناس والتلاعب بمصائرهم وأفكارهم، واقتربت نهاية أسوأ موسم لبيع الضمائر وشراء الذمم وتزيين بضائع برامج الكذب.. ذلك هو موسم الانتخابات في بلد سيتعرف الجميع على تخلفه واحتياجاته من القراءة المعكوسة لبرامج أحزابه، وحينما فكرت في أبراج الانتخابات تبادر إلى ذهني تلك البنايات الشاهقة ليس من اسمنت مسلح وحديد صلب بل من أكاذيب مكشوفة ووعود زائفة.. يصدقها الفقير والمحتاج ويؤمن بها المعدم والمحروم ويستبشر بها الذليل والمنبوذ…
وطالما تصدرت الوجوه الشائهة للوائح الانتخابات الحالية وهي التي لم تقدم في السابق شيئا لتلك الفئات المحرومة والمنبوذة والفقيرة والمعدمة… فلا عزاء لمن يصدقها ولا خير فيمن يؤيدها ولا أمل فيمن يتحالف معها ولا حياة لمن تخلف عن التصدي لها … ومن سكت واستسلم وتقاعس في مواجهتها فلا حق له في محاسبتها بعد أن تتمكن مجددا من مصادر نهبهم وتجلس على كراسي خيراتهم وتغرس بذور تفرقتهم وتحصد ثمار جهلهم…
فكيف السبيل للتغيير.. هذا هو السؤال الذي تنتظرون الجواب عنه أيه العاجزون المتخاذلون.. فأنتم الذين تعرفون الأكاذيب وتظهرون تصديقها.. ولا تثقون في وعود المرشحين وتصوتون عليهم.. وتعلمون استحالة تطبيق برامجهم وتروجون لها.. وتستمعون لخطبهم وتسخرون من فجاجتها وتفخرون بمعرفة أصحابها… أنتم المسؤولون بأصواتكم في تشييد أبراج الأوهام وعمارات الأكاذيب وزراعة الأراضي القاحلة ببذور الوعود المزيفة..
لا أدعوكم لمقاطعة الانتخابات ولا للتصويت فيها.. ولا أدعوكم لاختيار أشخاص بدل البرامج .. ولا لتفضيل حزب بين أحزاب.. أنا أدعوكم فقط لتحكيم عقلكم واستفتاء ضميركم.. قبل أن تشهدوا شهادة زوركم التي لا محالة أكثركم مرتكب لها.. فالمقاطعة كتمان للشهادة إن كان هناك أمل في فوز من يستطيع حلحلة الأمور، والتصويت تكريس لوضع مأزوم نحن مسؤولون عنه.. واختيار شخص لن نعرف حدود تمكينه طيش وغباء.. واختياره بدل برامج معلولة رعونة وجهل.. أما تفضيل حزب بدل أحزاب فلا يخلو أي حزب من فاسدين وانتهازيين ووصوليين… وربما اخترتم أحدهم .. وستتحملون أوزارهم..
تلك هي الحيرة التي سنبقى فيها طالما بقينا نأمل في نصيب مما لا نستحق.. وأغمضنا أعيننا عن سيادة الاستغلال وسطوة المال.. وتجنبنا التضحية في محاسبة من أسهموا في الفساد .. ونهرنا من يفضح الفاسدين.. وهاجمنا من ينتقد زعماءنا في أحزابنا كأنهم ملائكة، وطالما استمر انحناؤنا ورضانا عما يخالف ضمائرنا ويصطدم بأفكارنا فنحن الذين سندمر مستقبلنا بعدما ستنهار أبراج الكذب والأوهام والوعود التي أسهمنا في بنائها بأصواتنا أو سكوتنا…
عبد اللطيف بلكرينة