خضعت وزارة المالية يوم الخميس الماضي لمطالب المهنيين في المحاسبة والفاعلين الاقتصاديين وذلك بإصدار دورية من المديرية العامة للضرائب تؤجل فيه تطبيق نص قانوني في قانون المالية 2016 إلى شهر يونيو يفرض على جميع المقاولين أشخاصا طبيعيين أو اعتبارين ضرورة إدراج الرقم الموحد للمقاولة في جميع فاتوراتهم وتصريحاتهم الضريبية والاجتماعية، لتسهيل التواصل بين الإدارات حول معطيات المقاولة، وقد صدرت هذه الدورية بعد الفشل في حصول أغلب المقاولات على الرقم المطلوب لصعوبات متعددة تقنية وإدارية وقانونية، جعلت فقط أقل من خمسة وعشرين ألف مقاولة تحصل على الرقم الموحد فيما يتطلب الأمر حصول أكثر من مليون مقاولة عليه.
وقد أكد لنا عدد من المهنيين والمقاولين أن الأمر يعكس الارتجالية في وضع بعض القوانين وفرضها بدون اتخاذ جميع الإجراءات التي تضمن ذلك تقنيا وإداريا، وقد جاء هذا الأمر في ظل شد الحبل بين وزارة المالية وبعض المهنيين في المحاسبة الذين لازالوا مستمرين في حراكهم المتصاعد لتحقيق مطالبهم المتعددة في ضرورة فتح الحوار والتشاور معهم وعبر جمعياتهم في كل ما يهم التطبيق الفعال للقوانين الضريبية، ومن أبرز الأمثلة التي يرى المحاسبون فيها ارتجالية وزارة المالية أيضا خطوات تنفيذ القانون رقم 127/12 المنظم لمهنة المحاسبين المعتمدين، والصادر بتاريخ 20 غشت 2015، حيث صدر مطلع هذه السنة إعلان من لجنة عينها وزير المالية لاستقبال ملفات المحاسبين الممارسين وبعد مقارنته بالمقتضيات القانونية الواردة في القانون المشار إليه تأكد للجمعيات المهنية في المحاسبة وجود مسار متسرع لتطبيق القانون الذي لازلت الجمعيات المهنية ترفض الطريقة التي تم تمريره بها، وكل ذلك جعلهم يعلنون لجميع مهنيي المحاسبة في المغرب وللهيئات الممثلة لهم و لجميع المسؤولين بالبلد وللرأي العام الوطني رفضهم لغلبة الهاجس الانتخابي في تشكيل المنظمة المهنية للمحاسبين المعتمدين في تمرير النصوص القانونية وعدم مراعاة الحقوق المكتسبة وعدم مراعاة القانون المنظم للمهنة فيما يخص الآجال التي حددها مع ملاحظة تأخر تشكيل اللجنة المذكورة ولا يعقل بحسب رأيهم أن يتم تعويض هذا التأخر بتضييق الآجال على المهنيين، فضلا عن عدم الإجابة عن الإشكاليات الحقيقية التي طرحها القانون رقم 127/12 والتي تزداد تعقيدا في بداية تطبيقه وأفق تفعيله وتنزيله.
كما حذر بعض المهنيين من أي تسرع لتشكيل المجلس الوطني والمجالس الجهوية للمنظمة المهنية للمحاسبين المعتمدين بطرق غير ديموقراطية وغير شفافة وبشكل لا يراعي التمثيلية الحقيقية للمهنيين في المحاسبة بل واستنكروا السعي لإقصائهم وتهميشهم وتهديدهم بالتشريد رغم النقاش الدائر حول عدم رجعية القوانين.وقد نددوا في السياق نفسه بأي اجتهاد في أي إعلان أو قرار أو منشور لا يراعي الحقوق المكتسبة لمهنيي المحاسبة المنصوص عليها في القوانين الجاري بها العمل، والتي يجب التوسع في فهمها وتطبيقها في إطار مصلحة مهنيي المحاسبة وليس للإضرار بهم. كما حذروا من تداعيات التضييق والتشديد وفق الرؤية القاصرة لبعض الأطراف لملف مهنيي المحاسبة وانعكاسات محاولة إقصائهم على الإدارات العمومية والملزمين جبائيا واجتماعيا، في كل ما يتعلق بتصفية ملفات المقاولين والمقاولين الصغار، وما سيترتب عن ذلك من آثار كارثية على الاقتصاد الوطني.
وأبدى مهنيوا المحاسبة الذين التقينا معهم رفضهم لأي تدخل أو ضغط من أي جهة لإقصاء أي فئة في المحاسبين المهنيين من الحصول على صفة محاسب معتمد ولاسيما المسجلين في الضريبة المهنية قبل يوليوز 2015. وأكدوا على أنهم لن يتوقفوا عن المطالبة بإعادة النقاش والحوار حول مقتضيات القانون لتعديل ما يتعارض مع الحقوق المكتسبة وعدم رجعية القوانين في ظل المبادئ الدستورية السامية بإشراك ممثلي جميع أنواع المهنيين في المحاسبة وبشكل يضمن المصلحة العامة الحقيقية لتنظيم المهنة.
وفي إطار مستقبل النضال لتحقيق مطالب المهنيين تأكد من خلال لقاء تواصلي عقدته الجمعية المغربية لمهنيي المحاسبة بحضور لافت للمحاسبين في غرفة التجارة والصناعة والخدمات بمراكش قبل أسبوعين أن جميع المهنيين في المحاسبة يطالبون بالإدماج الكلي بدون شروط، وأكدت جميع المداخلات التي تجاوزت الثلاثين ضرورة توحيد المواقف والمطالب، وتطوير الأداء الإعلامي والتواصلي للمهنيين بإشراك جميع المؤسسات الإعلامية في الدفاع عن حقوقهم، وألحوا على ضرورة التعاون مع المؤسسات التعليمية العليا الخاصة للدفاع عن المصالح المشتركة لهم. وأكدوا أنهم لن يتراجعوا عن اتخاذ أي مواقف احتجاجية أو خطوات تصعيدية تمكن من الضغط لتحقيق مطالبهم والتنديد بكل ما من شأنه الإضرار بمصالحهم المادية والمعنوية التي تكفلها القوانين.
هذا والجدير بالذكر أن هناك جهودا متواصلة لتنظيم وقفة احتجاجية في غضون الأسبوع المقبل أمام وزارة المالية بالعاصمة الرباط، للفت انتباه جميع الفاعلين الاقتصاديين والمهنيين حول أهمية تنظيم مهنة المحاسبين المعتمدين بشكل يراعي الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في جميع المواثيق في ظل الحفاظ على الحقوق المكتسبة واحترام المبادئ الدستورية في عدم رجعية القوانين، ويراعي جميع أنواع المقاولات المتناهية الصغر والصغرى والمتوسطة، وبأسلوب يحفز على الاستثمار وخلق فرص الشغل.
عبد اللطيف بلكرينة