لم أكن أود الحديث عن نتائج الانتخابات المحلية رغم كثرة زوابعها، ولكن كما يقال بلغ السيل الزبى وطفح الكيل بعدما ضحت أحزاب الأغلبية الحكومية بميثاق شرفها وتخلى زعماء المعارضة عن شعاراتهم وانقلبت انتصارات العدالة والتنمية في عدد الأصوات والمقاعد إلى هزائم في عدد رؤوساء المجالس الجماعية البلدية والقروية رغم توهم الناس لاكتساحهم بسبب عدد عمداء المدن الكبرى، وتحولت هزائم الأصالة والمعاصرة في عدد أصوات الناخبين إلى انتصارات في رئاسة ثلث الجهات بالمغرب ورئاسة أغلبية الجماعات المحلية…
لقد ظهرت خيانة الناخبين واضحة في تشكيل مجالس الجهات والعمالات والمجالس البلدية والقروية وانتخاب رؤوسائها، فبينما انتخب المواطنون من وثقوا في برامجهم أو صدقوا شعاراتهم أو آمنوا بانتماءاتهم الحزبية أو ميثاق شرف تحالفاتهم ، فإذا بهم يكتشفوا تحالفات أخرى بين الأحزاب وترحالا لأصوات المنتخبين تخالف توجهات أحزابهم، واشتدت الفوضى واختلطت الأوراق وتاه المواطنون بين النتائج والإحصائيات والتوقعات ، وتمخضت الانتخابات فولدت مجالس جهات تهيمن عليها الأصالة والمعاصرة، وانتخاب مجالس عمالات يتحكم فيها حزب الجرار مثلما تحكم في رئاسة أغلب المجالس المحلية البلدية والقروية.
ولازال الغافلون ممن يتعصبون لأحزابهم متقلبون بين نشوة عدد المقاعد التي حصلوا عليها أو سكرة عدد الأصوات التي أيدتهم من المواطنين.. ومن المغفلين من يدعي الاكتساح بينما الواقع فضح توزيعا غير عادل لسلطة المنتخبين ومجالسهم المختلفة، فحزب العدالة والتنمية هيمن على رئاسة مجالس المدن وانشغل بالتحالفات الهجينة أحيانا حولها، ووتسلل المتلونون إلى مواقع القرارفي أكثر المجالس المحلية الأخرى بسبب نشوة الحزب الحاكم التي غذاها الإعلام ثم انقلبت إلى تخوف من مطالب المواطنين التي تزايدت بين عشية وضحاها…
وستكتشفون بعد أيام انقلابا ناعما في نتائج الانتخابات المحلية بعدما ستفوز أحزاب المعارضة الحالية بأغلبية مقاعد مجلس المستشارين، بينما سيدخل حزب العدالة والتنمية بحوالي عشرين عضوا وسيشكلون أقلية بالمجلس الثاني للبرلمان المغربي حتى يبقى التوازن قائما وتتوزع السلطات بين أحزاب المعارضة والأغلبية في إطار تقسيم يعده جهابذة مهندسي الخرائط الانتخابية والسياسية، مدعمين بآلة إعلامية لازالت تضخم من وهم هيمنة حزب العدالة والتنمية، ذلك الوهم الذي لا أساس له في ظل رئاسة الأصالة والمعاصرة لأغلب المجالس المحلية بالمغرب، مما سيؤدي إلى انعكاسات ايجابية لهم في الإعداد لانتخابات مجلس النواب في 2016.
وسيبقى أمام حزب العدالة والتنمية أصعب تحدي في استنزاف قدراته طيلة عام لاستتباب استقراره في المجالس المحلية للمدن رغم أهمية مواردها المالية والبشرية، وسيحاول التغلب على مشاكل متراكمة لعقود متعددة تحت مراقبة لصيقة للمجتمع المدني ومحاسبة ماكرة لأحزاب المعارضة ومتابعة لحظية من وسائل إعلام تقتنص دائما السلبيات والفضائح، سيكون أسلوب التعامل مع انتظارات المواطنين المتعددة محكا حاسما لتوجيه آرائهم وانتزاع ثقتهم في أقل من عام على الانتخابات البرلمانية…
عبد اللطيف بلكرينة