كورونا الاقتصادية

0

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

كورونا متلازمة حادة خنقت أنفاس الاقتصاد، وأفقدت أنوف المترسملين الإحساس بشم منتوجاته الطبيعية، والتهب حلق العاجزين من نقد تصنيع الكماليات، وقلة انتاج المواد الأساسية، واشتداد الحاجة إلى ضخ دماء جديدة لدورة ضرورية للنجاة، وبحت أصواتهم بعدما تفاقمت حرارة ارتفاع الأسعار، وتزايدت مرارة حمى الاحتكار، وبدأت المعاناة من تصدعات أفقدت الكل الوعي بكيفية الانقاذ للبقاء على قيد الحياة …
بعد ذلك تداعت المصانع والمتاجر وأضحت أجساما منهكة و خلاياها عاجزة عن الدفاع والممانعة بله الإبداع والابتكار، واضمحلت عضلات الآلات الضخمة، وتوقفت شرايين العمل، ولم تعد تفرز فضلات التفاهة ومنتوجات البلاهة، وأمست رئات التجارة منقبضة، وستزداد انقباضا كلما استحال عليها الاتصال بالهواء، وكلما فقدت الحركة والتنقل، بل حينما ستحس بعزلتها وشلل مكوناتها وانهيار حصونها وحجابها، فستكون نهاية اقتصاد مترسمل بنوبة قلبية في الأبناك، وسكتة دماغية للأوغاد، وستكون الوفاة غير معلن عنها والدفن بمقبرة مجهولة …
وبعيدا عن لغة المجاز التي نراها بآمالنا وقريبا من الواقع الذي نعيشه بآلامنا في هذه الأيام الصعبة، فلابد من التفكير في نظام اقتصادي بديل يجعل جميع المواطنين يحسون بالكرامة والكفاف، فبعدما اجتاح وباء كورونا جميع البلدان اتخذ قادتها عدة قرارات للحد من انتشار الوباء والسيطرة على آثاره، ومن أهم تلك القرارات فرض التباعد الاجتماعي والحجر الصحي المنزلي، وكان من تداعيات تلك القرارات شلل اقتصادي شمل الانتاج والاستهلاك، والصناعة والتجارة، وتوقفت حركة المواصلات وأغلب الخدمات ..
فتأكد أن التخلف بأي دولة يبدأ بمدى هيكلة اقتصادها، وينتهي برقمنة مواطنيها في سجلات اجتماعية شفافة، واتضح أن هشاشة اقتصاد أي دولة تنكشف حينما تكون مقاولاتها ومؤسساتها الانتاجية لا تصرح بأجرائها في صناديق الضمان الاجتماعي، والأدهى حينما لا تكون مهيكلة ولا مصرح بها بنفسها، والأدهى والأمر حينما نجد في سيرورة اقتصادها وأسواق عملها ملايين المياومين يفرض عليهم بين عشية وضحاها حجرا منزليا دون حركة ولا سكون، وبدون درهم ولا دينار ولا قرش ولا ريال …
والمياوم مهنة حذفت من البطاقة الوطنية لملايين المواطنين ربما لكثرتها وغرابتها، فهي كانت تعطى للباعة الجائلين، والصناع التقليديين، والعمال الحرفيين، وكل من يكسب قوته بعمل شريف غير مهيكل أو مهنة غير منظمة .. وهؤلاء هم العمود الفقري للاقتصاد الغير المهيكل في الفلاحة والصناعة والتجارة وخدمات النقل والتنقل والسياحة والمواسم والمناسبات …
وكلما ارتفعت نسبة الاقتصاد الغير المهيكل في اقتصاد أي دولة ارتفعت نسبة مخاطر قرارات الحظر الصحي، وتزداد مأساة كارثة تلك المخاطر حينما نتأكد بالأرقام أن أكثر من ثلثي الاقتصاد بالبلد غير مهيكل سيعانون من البطالة والعطالة، وأن أقل من مليون مواطن بالاقتصاد المهيكل سيتم تعويضهم عن توقف عملهم، وسيتم العمل على تعويض مليون آخر تقديرا ممن يستفيد من التغطية الصحية الاجتماعية…
ليبقى التساؤل مطروحا بخصوص أضعاف تلك الأعداد من المواطنين الذين فقدوا أعمالهم البسيطة وتوقفت موارد أموالهم الزهيدة، وشعروا بعحز مرير لتسديد تكاليف معيشتهم للبقاء على قيد الحياة من أكل و شرب قبل التفكير في النظافة اليومية بله كل نصف ساعة، وستبقى شعارات ضرورة البقاء في المنزل أشبه بالأحلام البعيدة المنال لمن لا يملك بيتا، وللأسر التي يتكدس أبناؤها في الغرف الواحدة ..
فلولا التضامن الاجتماعي الذي يسود بمختلف مظاهره في مجتمعاتنا العربية والاسلامية لكانت آثار كورونا الاقتصادية أشد وطأة وأكثر بشاعة مما نصفه عن ملايين المواطنين، الذين يحتاجون إلى إدماجهم في اقتصاد اجتماعي منظم وحقيقي يوطد ذلك التضامن بعيدا عن سلبياته في ظل احترام كرامتهم والاستفادة من عقولهم واستثمار سواعدهم وكفاءاتهم …
عبد اللطيف بلكرينة
أمين المال بالرابطة المغربية للاقتصاد الاجتماعي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.