التعليم أو المزايدات على مصير أبناء الشعب

التعليم أو المزايدات على مصير أبناء الشعب
0

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

عبد اللطيف مجدوب

حينما تنتفي المواطنة عن التدبير

منذ كم من سنة ، وخطاب التحذير ورصد الاختلالات ، والآفاق المسدودة ، يطغى على أدبيات تناول قضايا التعليم بالمغرب . وقد دخل المجلس الأعلى للتعليم نفسه على هذا الخط ، وأصبح يكتفي بالإشارة إلى تردي الأوضاع التعليمية والتي يصفها أحيانا بالكارثية مع ما يتخللها من إهدار للقيم وسيادة العنف … وهو نفس التوجه الذي سارت فيه مؤخرا الوزارة الوصية عن القطاع ؛ وعلى لسان وزيرها ؛ حينما يصرح من خلا تقارير الوزارة أن تعليمنا ومصير أبناء المغاربة معا إلى درجة من التردي غير مسبوقة

ولعل المراقبين والمتتبعين للشأن التعليمي يدركون ؛ من خلال ترصداتهم ؛ أن الأجهزة الحكومية ألفت عند كل دخول سياسي ، وموسم تعليمي جديد أن تسجدي خزينة الدولة لضخ ميزانية جديدة لاستصلاح التعليم على حد زعمها !

بيد أن الميزانية المستهلكة عادة ما تختنق بها القنوات الإدارية المركزية، فلا يصل منها إلى الميدان إلا الفتات ، فتعبأ في أعقابها التقارير بأوجه صرفها وتحنط بها رفوف السجلات والملفات.. ثم يركن المسؤولون إلى زاوية انتظار عام جديد وميزانية جديدة !

إن مثل هذا النهب الممنهج هو الذي يسود سياسة التخطيط والتدبير، في غياب مراقبة جدية ودقيقة وشاملة ، فانتفاء روح المواطنة الخالصة من أجهزتنا الإدارية كثيرا ما يفضي إلى المقامرة بمصير أبنائنا … والقذف بهم إلى هامش الضياع .

كل المؤشرات حمراء!

كل التقارير بما فيها الدولية والوطنية ، وكذا التقارير القطاعية ، والملاحظات الأمبريقية تشير إلى هول الكارثة التي تعرفها الأوضاع التعليمة ببلادنا ، ويمكن الوقوف عليها من خلال استقراء المؤشرات التالية :

* نسبة %8.5 من المدارس الابتدائية تغلق سنويا؛

* تراجع نسبة التمدرس في البوادي والقرى إلى %5 سنويا؛

* مستوى التلميذ الابتدائي في انحدار غير مسبوق ؛

* مستوى تكوين الأساتذة وأدائهم البداغوجي في عشر سنوات الأخيرة في تراجع؛

* نسبة %17.5 من تلاميذ الابتدائي ( نهاية التعليم الأساسي ) لا تعرف صياغة جملة مفيدة (عربية / فرنسية / أمازيغية ) ؛

* نسبة هامة من طلبة الجامعة لا تجيد كتابة رسالة قصيرة ؛

* جهاز المراقبة والتفتيش التربوي شبه معطل؛

* نسبة هامة من رجال ونساء التعليم منشغلة بالساعات الإضافية؛

* انتشار القلق والخوف في أوساط الآباء والأمهات حول مصير أبنائهم في التعليم العمومي؛

* نشر خطاب ” إفلاس التعليم العمومي ” واستبداله بنظيره الخصوصي من طرف لوبيات هذا القطاع الأخير؛

* إحجام بعض الآباء عن تسجيل تمدرس أبنائهم ، لهيمنة روح التشاؤم تحاشيا للإنفاق غير المجدي؛

* الأطر المغربية ؛ بوصفها كمخرجات للتعليم؛ والحديثة العهد بالتوظيف منذ عشر سنوات لأكبر شاهد على ضحالة ورداءة التعليم بسلكيه العمومي والخاص؛

مساومة الشعب في مجانية التعليم

ولما كانت هذه المؤشرات وبهذه الغزارة ، والغنية عن كل توضيح تحتل الصدارة لدى الأجهزة المسؤولة، وقطاع واسع من الآباء والأمهات.. عمدت الحكومة ؛ في نهاية توليتها ؛ إلى إشاعة خطاب ” إلغاء مجانية التعليم ” والذي يتبادر إلى الأذهان أن وراءه مافيات التعليم الخصوصي؛ تسعى إلى استدرار مزيد من الأرباح والمكتسبات المادية ، وتعزيز الإحساس لدى الآباء بضرورة القطع مع التعليم العمومي الذي لا ينتج سوى العقم الدراسي ، ويجنح بمرتاديه إلى الضياع …

وهكذا طفت على السطح تصريحات لمسؤولين في مواقع مركزية ؛ حاولوا من خلالها امتصاص غضب الجماهير ، وأن مفهوم مجانية التعليم برأيهم طرح مغلوط لا وجود له… ما دام الآباء يتكفلون بالإنفاق على تجهيز أبنائهم من اللوازم المدرسية وضروريات التمدرس …

إلغاء المجانية يعني إلغاء الحق في التعليم

خطاب تحضير الجماهير الشعبية، وترويضها لقبول الأمر الواقع بإلغاء مجانية التعليم وارد، سيما بعد إفادة بعض هؤلاء المسؤولين أن إلغاء المجانية لن تنسحب على جميع الأسر المغربية، فقط ستستهدف الميسورين منها… وهم يعلمون أو يتجاهلون عدم وجود أبناء الأسر الميسورة يتابعون دراستهم في التعليم العمومي ، إن لم يكونوا منتسبين إلى معاهد خاصة أو التعليم الخصوصي في أدنى الحالات. .

وهل يريدون تهميج المجتمع المغربي

بالنظر إلى عدة عوامل مركبة ؛ تعمل متظافرة في الجسد المغربي ؛ كارتفاع نسبة الأمية والعطالة والفقر إلى جانب شيوع ثقافة النصب والاحتيال ، وتعطل أدوار الأسرة والمدرسة .. وسيادة العنف في ممارساتنا ومواقفنا .. كل هذا وغيره أفضى إلى ظهور إنسان مغربي جديد بمواصفات سلوكية هي أقرب إلى الإنسان الغرائزي والهمجي الذي يعيش فقط بدافع الغريزة وإشباع نزواته .. إذ ليست لديه ضوابط قيمية ولا قواعد اجتماعية يحتكم إليها في تطلعاته .

إذن فسكوتنا على هذه الأمراض التي يعج بها واقعنا هو بمثابة تحريض على السير قدما بالجماهير الشعبية إلى تهميج سلوكه والتحول بها إلى أفراد ينتجون العنف والإذاية والنصب والاحتيال ، استجابة لقواهم الشريرة التي لا تقيم للضوابط والقيم والقواعد وزنا يذكر .

 

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.