العقيدة الأمنية و نجاعة مقاربات التدبير الأمني في أفق مواجهة كل أشكال التطرف والأنشطة المميتة

0

احصل على تحديثات في الوقت الفعلي مباشرة على جهازك ، اشترك الآن.

بقلم الدكتور احمد الدرداري
يعيش العالم أزمة التهديد الأمني ومواجهة الانحراف العقدي والفكري و الثقافي وهو ما يجعل منه تحديا امام الدول والمحتمعات، وبذلك تطرح للنقاش مسألة نجاعة الفكر الامني وقدرات الأجهزة الأمنية على الابداع في وضع استراتيجيات أمنية متقدمة قادرة على الحد من الخوف وترقب الاسوأ الذي يخيم على المجتمعات والمواطنين في بلدانهم او في دول أجنبية، حيث ابانت بعض العمليات الارهابية ان الانظمة القانونية للدول طبيعتها عامة وغير دقيقة كما تسمح لكل من اراد ان يقوم بأي فعل دموي يمكنه فعل ذلك لاسيما مع غياب نظرة أمنية دقيقة وعميقة تضمنها استراتيجية الرصد والحضور والتصدي الزمكاني بناء على العلم المسبق بالتوقعات والقدر على تفكيك الفعل الارهابي الافتراضي عملا بمقاربة اقتسام الادوار وتوسيع التفكير والتدبير الأمني وتطوير المنظومة الامنية واعادة بناء التصور حول السلم الاجتماعي والأمن الافتراضي انطلاقا من قاعدة وراء كل حركة او سلوك يقوم به الافراد نية ارهابية، والالتفاف حول ابادة الخوف مهما تطلب الأمر .
فالتطرف والارهاب غير مترتبطين بمنطقة محددة ولا هما مرتبطين بدين معين ولا بعقيدة او فكر معين، كما ان وسائل العلم الحديث زادت من امكانية التفكير في مواجهة الأمن والتعبير عن رفض الانتماءات والتواجد في أمكنة غير مصنفة ضمن مناطق الخطر، ومع توفر الامكانيات وسهولة الحصول على وسائل متطورة لتنفيذ أعمال قتل او تخريب وهذا يفرض اعادة النظر في مفهومي الحق والحرية الذين خرجا عن منطق المشاريع المجتمعية والقطاعات الكلية وبشكل ذكي أصبح الافراد يخالفون التوجهات العامة للمجتمعات بما فيها ضرب عقيدة الدولة ورفض الانتماء لها.

وبالرغم من وجود اطار قانوني دولي ووطني لمواجهة التطرف ورغم ان العالم يعتمد على قيم الديمقراطية وحقوق الانسان والضمير الانساني ومجتمع القانون، فان انحلال هذه القيم لم يعد يحقق كل ما يحلم به الانسان وبقيت مظاهر النقص بادية على كيفية خدمة الانسان والاحاطة اللازمة بكل ما تتطلبه كرامته وقيمته اللتين لا يمكن تحقيقهما في ظل قوانين ونظريات وعقائد وايديولوجيات معاصرة ..حيث انه لم يعد كافي وجود مجموعة العمل المالي الدولية لمكافحة تمويل الارهاب التابعة للأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية . وغير كافي تحديد مهمتها في مجال غسيل الاموال او استصدار توصيات بشأن ذلك، واسناد لها مهمة مكافحة تمويل الارهاب والتشدد في مكافحة الارهاب، بل تبقى العمليات الإرهابية رهينة بنوع الفوضى الذي يسود العالم ووجود سلوكات فوضوية باسم الدول وهو ما يوقض الشعور بالعداء والتفكير في الانتقام ومعه تطرح مقاربات التعاون الدولي والاندماج الأمني الشامل والمتشعب والقوي.

ان العقيدة الأمنية العالمية منقسمة وما تزال الدول الكبرى غير معنية بالتحديات الأمنية الكبرى وغير قادرة على اجتثاث المنابع الحقيقية لعقيدة التطرف التي تنطلق من بيئة تساهم في وجودها انماط عيش غير مراقبة بل أحيانا تنطلق من بيئة آمنة ولا تثار أية مؤشرات على وجود خطر بحكم ان شعور الإنسان غير قابل للتفتيش او الاطلاع.

ان عقيدتي الأمن والخوف متصارعين على كافة مستويات الحياة، لكن المنظومة الأمنية بحكم مهمتها الشريفة لأنها تقوم بعمل يؤمن الحياة والممتلكات العامة والخاصة، مطالبة بوضع حد لكل أنواع الخوف من اي كان وتدبير العمل الأمني بالانطلاق من العقيدة الأمنية. والحس الأمني العالي التوقع حيث ان المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني أبانت من خلال تفكيك عدد من الخلايا الإرهابية عن الاحترافية واليقظة والتوجس من إمكانية التفوق الإرهابي عليها ، فهي في حالة ارتباط دائم بالتوقعات والرصد الدائمين سواء وطنيا او دوليا .
ان محاربة التطرف العنيف والإرهاب يتطلب مقاربة أمنية متطورة ومتنوعة ومندمجة وذكية وشجاعة، حيث استأثر هذا الموضوع باهتمام كثير من الفاعلين من باحثين وأساتذة جامعيين وأمنيين بغية طرح التحديات الأمنية وفق مقربات ملائمة تراعي الحفاظ على الاستقرار وحماية الحقوق والحريات واستنهاض البعد الحقوقي والاجتماعي لمواجهة الأيديولوجية الاقتصادية للإرهاب والتطرف.

ان الترسانة القانونية المتعلقة بزجر الأعمال الإرهابية غير كافية لأنها تنطلق من قاعدة لا جريمة ولا عقوبة الا بنص بينما الجريمة الارهابية ليست جريمة عادية ولا يمكن انتظار الفعل الارهابي ومعرفة الفاعل ومعاقبته وتكييف النصوص القانونية وتحديد العقوبة بل ان الامر يتطلب البحث في اسباب وعوامل الفعل الارهابي، وليس بالضروري تركيز الاعمال الارهابية والتطرف العنيف ومن بينها المرتبطة بالتعصب الديني كالسلفية الجهادية والجماعات التكفيرية و جماعة الصراط المستقيم وداعش و بوكو حرام ، وكلها اباحت لنفسها سفك الدماء واستباحت الاموال والنساء.

وبالنسبة للمغرب باعتباره بلدا تم استهدافه من قبل تنظيمات ارهابية في وقت لم يكن القانون الجنائي ينص على تسمية بعض الجرائم بكونها جرائم ارهابية فصدر قانون 03-03 المتعلق بمكافحة الارهاب والجريمة الارهابية وتم فصل الجرائم العادية عنها. وتم تحديد الاعتداء على الاشخاص والتزييف والتزوير والتخريب والتعذيب والاتلاف والاعتداء على وسائل النقل والاتصال والسرقة والجرائم المتعلقة بالاسلحة والمتفجرات والذخيرة وتكوين عصابات اجرامية والاشادة بالجريمة الارهابية وتمويل الارهاب واقناع الغير على ارتكاب جريمة ارهابية وعدم التبليغ عن الجريمة الارهابية والمساعدة على ارتكاب جريمة ارهابية كلها اعمال يعاقب عليها القانون وحدد القانون مسؤولية الشخص المعنوي في الجريمة الإرهابية .

ان اشراك كل الفعاليات في النقاش العمومي حول الحكامة الامنية وتثبيت مقاربات مناسبة ضمن اطار نجاعة التدبير الامني وتوسيع مفهوم الأمن المتعدد الاستعمالات للحد من التعاطي للانحراف والتطرف ومنها الأمن الاجتماعي والأمن الاقتصادي والأمن التربوي والأمن القضائي والأمن الثقافي والأمن الأستراتيجي … وربط ذلك كله بالشرطة المواطنة والعمل وفق رؤية واضحة قادرة على تجفيف الاسباب ومنابع التطرف العنيف والالتحاق بالتنظيمات الارهابية.

فسواء كان العمل الارهابي مرتبط بدولة او ارهاب افراد او ارهاب جماعة متطرفة يبقى غير مبرر ويجب التصدي اليه بكل الوسائل الممكنة.

وكيفما كانت الاسباب والدوافع كالشعور بالغباء و التأثر بالنص الديني او غطرسة الدول الكبرى او الضرب اسفل الجدار او الابادة الجماعية فهي لا تعفي من مسؤولية الحفاظ على ارواح الناس والأمن والاستقرار .
والأمن الاستباقي هو مقاربة متقدمة ومختبر امني محترف في تشريح السلوك البشري ، ولا يخفى على العقلاء أن القدرات الأمنية والحس الأمني والتخصصات الأمنية وعلم الكشف الجنائي ورصد المخاطر والعمل بنظرية الخطر الافتراضي وعلم تقنيات المعلومات والملاحظات بالإضافة إلى اليقظة والتتبع ومحاكاة المعادلات الممكن أن تشكل خطرا على البلاد كلها مدعمة بالمكتب المركزي للأبحاث القضائية، وكل خطر يهدد المغرب يبقى مغالطة ومغامرة فاشلة يؤدي أصحابها ضريبة مجانية وتبقى قاسية لأن نبتة الإرهاب لا توجد في المغرب نظرا لعراقة المملكة وفتوة الإمكانات الجرمية أمام عمق الدراية المغربية في التعامل مع مختلف مشاكل وخطط النيل من الاخرين عبر التاريخ والعمل بالاحتمال يجعل من كل شخص غير بريء ، كمبدأ أمني يخلص من أي خطر والقضاء على الإرهاب يتطلب العمل بالكل على الكل دون استثناء.

وقد تمكنت الأجهزة الأمنية في كل مرة وفي كل مكان من تطويق الخطر لاسيما وأن الإرهابيين يدرسون خطتهم بشكل لا يفقه فيه المواطن العادي أي شيء ، بل قد يمكن الإرهابي من السكن أو طلب التوجيه والإرشاد دون علم بهوية شخصه الإرهابية.

وفي ظل تنامي ظاهرة الانتقام الأحمق أو الإرهاب على المستوى العالمي واستهداف الأمن الدولي، يبقى مفهوم الأمن الاستباقي والعقيدة الأمنية هو الحل الوحيد كما يثبت في زماننا أن الأمن هو محور التنمية وأساسها الحقيقي ، كما ان التحول العالمي نحو الفرضي وانهيار الأنظمة غير المتماسكة سيزيد من تعقيد المادة الأمنية كما أن الإرهاب الصناعي المرتبط بالذكاء السلبي سيخلف مآسي بشرية ومعه ستتغير قواعد الصراع الكوني.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.