حينما يرتدي الرب قميص حزب !

د.خالص جلبي

حينما ينكمش الرب في قميص حزب، ويتضاءل الإله إلى حجم شخص ، فيدعى حزب الله ويقال عن يسوع أنه الله، ويرفع بشار البراميلي إلى رتبة الألوهية، ويقدس آيات الله فلا يلمسون بانتقاد أو ملاحظة أو إمكانية خطأ فشكلهم بشري وطينتهم ربانية وأقوالهم قصائد خالدات.

دعيت يوما إلى ندوة في جدة قلت فيها إن التوحيد مسألة سياسية أكثر منها تيولوجية عن عدد الألهة ومكان استقرارهم، والخيط النحيف بين المسلمين والمسيحيين هي حقيقة المسيح هل هو الله الذي انشطر إلى ثلاثة أم بشر ممن خلق؟ كذلك الحال مع نصر الله اللبناني وآيات الله في قم، ورجال الدين من أيام حمورابي، وحاليا بشار البراميلي الذي يسجد له الناس وباسمه يحمدون. هي نفس المشكلة في تحويل البشر إلى أصنام حية وآلهة من دون الله يدعون. وتستدعي صفة الإلوهية خطر تصفية أرواح الناس ذلك أن الموت والحياة هي لله فهو من خلقها ويسحبها، وحين ننظر في سيرة يسوع البشر نقرأ هذه الرسالة أنه كان بشرا وأن السيف يقضي على صاحبه في النهاية.

أرسل قيافا رئيس السنهدرين يهوذا الاسخريوطي بمهمة مع المخابرات والجنود إلى البستان، حيث كان المعلم يسهر الليل بانتظار المحنة، كانت الإشارة للجنود أن من يقبله يهوذا هو المعلم. هكذا كانت الإشارة. طلب المعلم في تلك الليلة من الحواريين السهر فلم يصبروا، وبدأوا بالنوم حين تقدم الليل. كانت ليلة العشاء الرباني قبل ذلك ذات مغزى عظيم حين غسل بيديه أقدام الحواريين وقال لهم هكذا كونوا بعضكم بعضا ليكن الرئيس فيكم خادما لأصغركم. هجم الحراس بالسلاح والعصي وهم يهتفون لن تفلت من يدنا. صاح بهم المعلم أنا أعلّم كل يوم الناس في المعبد فلماذا تشهرون سلاحكم وتصرخون؟ في رواية هجم بطرس الحواري بسيفه على الجندي فضربه فقطع أذنه فردها يسوع إلى مكانها والتفت إلى بطرس وقال: اغمد سيفك يا بطرس لأنه مكتوب أن من أخذ السيف بالسيف يهلك. هذه القصة تنفع لمن كان له قلب. أخيرا ارتد السيف على من استله في لبنان. كنت في زيارة لقيادي من حزب العدالة والتنمية في المغرب في الدار البيضاء؛ فسألتني زوجته عن رأيي في حزب الله؟ كانت المرأة تحدق بدقة في جوابي ووجه زوجها. قلت لها بسرعة وباقتضاب هو بيدق إيراني. في أحد مؤتمرات أبو ظبي الذي شاركت فيه في منتدى الاتحاد ذكر الوزير اللبناني (عريضة) أن ميزانية الحزب من إيران وصلت عشرة مليارات دولار شهق الحضور وقالوا عشرة ملايين؟ كرر الرجل عشرة مليارات دولار. أنا لم أكن على علم أن زوجها كان من أشد المتحمسين لحزب الله، هي بدورها بلغت ريقها. نفس الشيء كان مع داعية اللاعنف في سوريا (جودت سعيد) ولم يكونوا الوحيدين، فالكل رأى فيه كما وصفه شريف شحادة السوري أنه الحسين الجديد؟ بل بدأت صور نصر الله توزع في البيوت، وتعلقها النساء إيقونات في الصدور، وتحول الرجل إلى رمز المقاومة الأوحد، ومشعل النضال وقاهر إسرائيل وأمل العرب ونهضة الأمة.

في القرآن آية في سورة النور تتحدث عن شيء اسمه سراب بقيعة حتى إذا جاءه العطشان لم يجده شيئا. كانت ظاهرة السراب تدهشني خاصة في السفر كيف تتكون؟ حتى شرحها لنا الأستاذ (جورج ديب) في الفيزياء، حين كنت طالبا في القسم العلمي الصف العاشر. السراب في الصحراء وهم، وخوف الناس من القبور وهم، وأذكر من جداتنا حين كنّ يقصصن علينا أخبار احتفالات الجن ورقصهم فكان جلدنا يقشعر من تصورهم.

مشكلة العقل وأوهامه أن الوهم لا يتقبله العقل، ولكن الواقع يقول أن كثيرا من البشر يمشون بسهولة خلف الأوهام، كما هو الحال في رفع حزب الله ليرتدي قميص الإلوهية، فشكله بشري ولكن لسانه إلهي، أو تنزيله إلى مرتبة الشياطين، ليصبح منظمة إرهابية بقياداتها، وكل من يدعمها، ويؤمن بها، ويسلحها، أويقاتل تحت رايتها وقالوا الكل في الإثُم سواء.

ما يحصل في المنطقة العربية حيث جنون الحرب والوباء الطائفي والجذام الحزبي يصيب الذي يريد أن يرى أن ليس ثمة إحداثيات في الرؤية فيصاب بالدوار. وأذكر من صديق الفكر (ادريس المغربي) كيف كان متحمسا لفكر اللاعنف، ثم كب على وجهه مع سراب نصر الله اللبناني، ثم انقلابه مجددا ضده حين رآه يفتك قتلا بالأطفال السوريين، والمسألة كما جاء في قصة بطرس الرسول أن من أخذ السيف بالسيف يهلك وهو ما حصل لنصر الله ومآله وكل من سار على دربه واهتدي بهديه.

كنت في مؤتمر في أبو ظبي اكتوبر 2015م فقام أحد المفكرين المرموقين يسند ظاهرة الحرب ويدعمها بآية فقال جاء في القرآن كتب عليكم القتال؟

نحن في الطب نمارس في المشافي العلاج بشكليه المحافظ الروتيني من إعطاء الدواء كما نمارس أيضا الجراحة، وكذلك الحال في ظاهرة السلم والحرب. ولكن على القاريء أن ينتبه إلى أن قاعات العمليات الجراحية في مشفى يحوي 600 سرير فيه ست قاعات للعمليات الجراحية أي واحد من مائة. وكذلك هي ظاهرة الحرب.

منذ تألق نجم حزب الله باسمه الذي انتحله بأنه يمت بصلة لله، تذكرت سفرتي إلى طهران في مناسبة شهر بهمن (فبراير) الذكرى الثانية للثورة الإيرانية. كنت مأخوذا بنهجها السلمي في إسقاط الشاه. كان السيد رشيد الجزائري يصرخ في التلفون إن الثوار أمسكوا بالسلاح فهم يقاتلون الحرس الشاهنشاهي؟ لم استوعب فكرته تماما لأن قدر الانسجام الفكر بيننا كان كبيرا حتى انشق فأصبح الرجل اليوم من دعاة التشيع وأخذ لقب مستبصر بعد أن كان التلميذ رقم واحد للمفكر الجزائري مالك بن نبي. رجعت من طهران يومها وقد غسلت يدي منهم سبعا إلى المرافق. وحين لمع نجم نصر الله كتبت مقالة نشرت في جريدة الشرق الأوسط على جزئين الأول مقارنة بين نصر الله والشقي بانشو فيا المكسيكي والثانية مقارنة بين السياسي نصر الله والفيلسوف الألماني فيرنر هايزنبيرج. وكما في سوق العملات وانهيار أسعار النفط كذلك الحال مع حزب الله أو حزب الشيطان أيا ماتدعو فهذا هو قدر الانتروبيا يأكل الدول والمنظمات بل ويفترسنا نحن كأفراد فيسحقنا الموت ولايبالي.

قلت لصديقي المغربي ادريس اليوم يقاتل حزب الله إسرائيل، وغدا سيقتل السوريين. وهو ما نراه اليوم حين يقول نصر الله أن طريق القدس يمر من الزبداني ومضايا؟ يومها ذكرت جملة عجيبة أنطقني إياها الله، فقلت لو حصل تمرد في يبرود أو جيرود فسيكون حزب الله من يقمعه وهو ماحصل في معركة القلمون.

قال يسوع لبطرس اغمد سيفك لأن من أخذ السيف بالسيف يهلك، وهو ماانتهى إليه حزب الله اليوم؛ ففقد بريقه، وانكشفت عورته، ولعنته معظم حكومات العرب في مؤتمر مطلع مارس 2016م، واكتشف الكثير أنه سراب، وانصب غضب الخليجيين عليه بعد أن بدأت نيرانه تحرق عباءاتهم.

قلت لمفكر لبناني في أكتوبر 2015م حدثت طفرة في كندا باعتلاء المنبر امرأة تخطب في صلاة العيد؟ قال لي حصل ما هو أفظع حين انفرد الإيرانيون بعرفات في يوم خاص بهم خارج إجماع المسلمين.

هل نستوعب درس التاريخ لفهم كيف تتشقق الأديان إلى أديان أصغر ويتابع الانشطار طريقه كما يقول ابن خلدون تدريجيا فلا يفطن له إلا الآحاد من الخليقة، ليتشكل دين جديد مستقل بذاته كما في ولادة اللغات البشرية، ومقارنة بسيطة بين الألمانية والفرنسية والأسبانية لجس بعض المفردات نعرف تماما أنها ولدت من رحم واحد، وربما كانت العربية والعبرية من هذا القبيل أيضا حين نسمع الإسرائيلي يقول أربا أربين يقصد أربعا وأربعين. هكذا تولد اللغات وهي من رحم واحدة وهكذا تتشقق الأديان لتبزغ أديان جديدة كما هو الحال بين البروتستانت والكاثوليك والسريان والأرمن والأقباط، وكما هو الحاصل بين الشيعة والسنة والبهائية والبابية والإسماعيلية والمرشدية والعلوية.